سورة القلم - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القلم)


        


{أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ} عهود ومواثيق {عَلَيْنَا بَالِغَةٌ} مؤكدة عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا فلا ينقطع عهدكم {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ} في ذلك العهد {لَمَا تَحْكُمُونَ} لأنفسكم من الخير والكرامة عند الله. وكسر {إن} في الآيتين لدخول اللام في خبرهما. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين؟
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} أي عندهم شركاء لله أرباب تفعل هذا. وقيل: شهداء يشهدون لهم بصدق ما يدعونه. {فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}.
{يَوْمَ يُكْشَفُ عنْ سَاقٍ} قيل: {يوم} ظرف لقوله فليأتوا بشركائهم، أي: فليأتوا بها في ذلك اليوم لتنفعهم وتشفع لهم {يوم يكشف عن ساق} قيل: عن أمر فظيع شديد، قال ابن عباس: هو أشد ساعة في القيامة.
قال سعيد بن جبير: {يوم يكشف عن ساق} عن شدة الأمر.
وقال ابن قتيبة: تقول العرب للرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج فيه إلى الجد ومقاساة الشدة: شمر عن ساقه ويقال: إذا اشتد الأمر في الحرب: كشفت الحرب عن ساق.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني سويد بن سعيد، حدثني جعفر، حدثني حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أناسا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم هل تُضَارُّون في رؤيةِ الشمس بالظهيرة صَحْوًا ليس معها سحاب؟ وهل تُضَارُّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوًا ليس فيها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله قال: «ما تُضَارُّون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تُضَارُّون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذَّن مُؤَذِّنٌ لِتَتْبَع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد الله من بَرِّ وفَاجرٍ وغُيَّرِ أهلِ الكِتاب فَتُدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبةٍ ولا ولدٍ، فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم: ألا تَرِدُون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سرابٌ يَحْطِمُ بعضُها بعضًا فيتساقطون في النار. ثم تدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيحَ ابن الله، فيقال لهم: ما اتخذ الله من صاحبةٍ ولا ولدٍ، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا رَّبنا فاسقِنا فيشار إليهم: ألا تَرِدُون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يَحْطِم بعضُها بعضًا فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، أتاهم ربُّ العالمين في أدنى صورة من التي رَأَوْه فيها قال: فماذا تنتظرون؟ لِتْتبَع كل أمة ما كانت تعبُدُ قالوا يا ربنا فارَقْنا الناسَ في الدنيا أفقرَ ما كنا إليهم ولم نصاحبْهم. فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئًا مرتين أو ثلاثًا حتى إن بعضَهم ليَكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آيةٌ تعرفونه بها فيقولون: نعم فيكشف عن ساقٍ فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أَذِنَ الله له بالسجود فلا يبقى مَنْ كان يسجد نفاقًا ورياءً إلا جعل الله ظهْرَه طبقةً واحدةً كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه ثم يرفعون رءوسَهم وقد تحوَّل في الصورة التي رأوه فيها أول مرة فقال: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا ثم يُضْرَب الجسر على جهنم وتحلّ الشفاعة، ويقولون: اللهم سلِّم سلم، قيل يا رسول الله وما الجسر؟ قال: دحضٌ مُزِلَّةٌ فيه خطاطيف وكلاليب وحسكةٌ يكون بنجد فيها شويكة يقال لها السَّعْدان، فيمر المؤمنون كطْرفِ العين وكالبرقِ وكالريحِ وكالطيرِ وكأجاويدِ الخيلِ والركابِ فناجٍ مُسَلَّمٌ ومخدوشٌ مُرْسَل ومكردسٌ في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشدَّ لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أَخْرِجُوا من عرفتم فتُحرَّم صورهم على النار فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذتِ النار إلى نصف ساقه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحدٌ مِمَّنْ أمرتَنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثال نصف دينارٍ من خيرٍ فأخرجوه فيخرجون خلقًا كثيرًا ثم يقولون: ربنا لم نذرْ فيها ممن أمرتنا به أحدًا ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرةٍ من خيرٍ فأخرجوه فيخرجون خلقًا كثيرًا ثم يقولون: ربنا لم نذرْ فيها أحدًا فيه خير ممن أمرتنا به وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النساء- 40] فيقول الله: شفعت الملائكة، وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حممًا فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحِبَّة في حَمِيل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟ قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله من النار الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا: أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضائي فلا أسخط عليكم بعده أبدا».
وروى محمد بن إسماعيل هذا الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم بهذا المعنى أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعةً، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا».
قوله عز وجل: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} يعني: الكفار والمنافقين تصير أصلابهم كصياصي البقر، فلا يستطيعون السجود.


{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} وذلك أن المؤمنين يرفعون رءوسهم من السجود ووجوههم أشد بياضا من الثلج وتسود وجوه الكافرين والمنافقين {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} يغشاهم ذل الندامة والحسرة {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} قال إبراهيم التيمي: يعني إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة وقال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون {وَهُمْ سَالِمُونَ} أصحاء فلا يأتونه قال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا عن الذين يتخلفون عن الجماعات.


{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} أي فدعني والمكذبين بالقرآن وخل بيني وبينهم. قال الزجاج: معناه لا تشغل قلبك بهم كِلْهُم إليَّ فإني أكفيكهم قال ومثله: {ذرني ومن خلقت وحيدًا} معناه في اللغة: لا تشغل قلبك به وكله إليَّ فإني أجازيه. ومثله قول الرجل: ذرني وإياه، ليس أنه منعه منه ولكن تأويله كِلْه، فإني أكفيك أمره.
قوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} سنأخذهم بالعذاب {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}، فعذبوا يوم بدر. {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ أَمْ تَسأَلُهُمْ أَجرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثقَلُونَ أَمْ عِندَهُمُ الغَيبُ فَهُمْ يَكتُبُونَ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} اصبر على أذاهم لقضاء ربك {وَلا تَكُنْ} في الضجر والعجلة {كَصَاحِبِ الْحُوتِ} وهو يونس بن متى {إِذْ نَادَى} ربه في بطن الحوت {وَهُوَ مَكْظُومٌ} مملوء غمًا.
{لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ} أدركته {نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} حين رحمه وتاب عليه {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} لطرح بالفضاء من بطن الحوت {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يذم ويلام بالذنب يذنبه.
{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ} اصطفاه {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5